-A +A
علي الرباعي (الباحة) okaz_online@
لم يدرك الإنسان منذ مطلع اتصاله بالكون قبل ما يقارب 4 مليارات عام أن آلاف المايكروبات وملايين البكتيريا تقاسمه كوكبه وتطمح مثله للتكاثر والتناسل، ولم يفطن إلى أن حماقاته واستثمار نزواته يمكن أن تستعدي عليه ما يهدد كبرياءه ويهد قواه بالوباء الذي يعجز أحياناً عن فك شفرة أسبابه. وتعرضت أوطان لاجتياح الطاعون، ووقعت بلدان رهن أمراض معدية منها الجرب والحصبة والجدري والملاريا والكوليرا، وفتكت أوبئة بجسد الكائن المسؤول عن عمارة الكون وأدخلته في أتون التفسيرات والتأويلات فحمّل الهواء والغذاء مسؤولية معاناته وعزا إلى مخلوقات خفية مآسيه ما دفعه للاستعانة بالمشعوذين والسحرة والكهان والعرافين في زمن الجهل بُغية دفع البلاء عن نفسه وقدم القرابين للصالحين والأولياء لطرد الأرواح الشريرة كما تصور وتخيّل.

ومنذ عصر الإسلام فطن المسلمون للجانب الوقائي والعلاجي وأسهم الطب النبوي في المداواة بالعسل وبالحجامة والكي حتى تلاقحت الثقافات وترجمت الموسوعات فاشتهر الرازي وابن سينا ممن وضعوا المؤلفات القائمة على ما أتاحه العصر الأول من إمكانات ولم تنفصم عرى وصفات الحكماء عن الطب البديل من التداوي بالأعشاب وبعض النباتات. وببلوغ الشعوب مرحلة الدولة الوطنية وتصدر عصر العلم واكتساب التقنيات الحديثة افتتحت المستشفيات وأقيمت المختبرات وتوافرت الأمصال وأجريت التحاليل فغدت المخاطر من حديث الذكريات وتراجعت بعض الأوبئة من مرتبة الوباء إلى أمراض قابلة للشفاء. ويؤكد الباحث في الأعشاب الدكتور أحمد قشاش أن الرحالة ابن بطوطة أصابه الطاعون وهو في الهند فتداوى بالتمر هندي (الحُمر) إذ نقعه وشرب منه 3 أيام فنجا، وأضاف أن إحدى الأمهات في أوروبا داوت أبناءها من الإنفلونزا الإسبانية بالثوم وكانت تضيفه بكميات كبيرة للطعام فنفعهم. مشيراً إلى أن لحاء أشجار الكينا تعالجت به شعوب أفريقية من الملاريا، وعدّ ما أنجزه الطب الحديث نقلة كبيرة كون العلم التجريبي يعتمد على الرصد والملاحظة والمقدمات الموصلة لنتائج متناغمة مع استيعاب الوعي العام ومع معطيات العلم.